كلما فضحت الصورة أو الاعتراف ممارسة أمريكية فاسدة في حق المسلمين، وثار المسلمون عليها سارعت دوائر السياسة والإعلام هناك لتقول: من حق المسلمين أن يحتجوا.. وهذا جزء من الديمقراطية التي نؤمن بها!
وسارع بعض المبهورين من المسلمين ليتجاهل الجريمة الأصلية ويشيد بالشفافية والحرية الأمريكية.. بينما يمضي سدنة الاستخفاف في الإدارة الأمريكية غير آبهين بموافقة المسلمين أو اعتراضهم، وكأن الأصوات الاحتجاجية لا تصل إليهم!
ممارسات التعذيب وفضائح سجن أبو غريب مرّت ونُسيت وبقي وزير الدفاع، والمسئولون الأقل أهمية، وأدين فردٌ واحدٌ بينما وُزعت آلاف الصور، وسُمعت شهادات كثيرة لشهود عيان. حالاتٌ مماثلةٌ للتعذيب في أفغانستان، وإقامة سجون غير خاضعة للمراقبة؛ بل بمبادرات فردية، وتم التعامل معها بغير مبالاة. عسكري أمريكي يقتل أعزلَ نائماً على ظهره في مسجد من مساجد الفلوجة فيبرؤه القضاءُ بأنه كان في حالة دفاع عن النفس!
منظمات حقوقِ الإنسان في العالم، بما فيها منظمات أمريكية، تحتج على ظروف اعتقال السجناء في جوانتانامو، وتقارير كثيرة تتحدث عن انتهاكات جِدِّية وعدوانٍ على الإنسان وحرمانٍ من أبسط الحقوق، واعتقالاتٍ طويلة المدى لصبيان وشباب صغار دون تُهم ودون محاكمة، وكأنهم صاروا كبش فداء ووسيلة إيضاح لغيرهم، وتم التعامل مع سجناء منسوبين لدول حليفة وشريكة في الحرب بطريقة مختلفة تماماً عما تم عمله مع بقية السجناء؛ فالقضية مشبعة بأبعاد سياسية شديدة الوضوح..
وأخيراً، قضية تدنيس المصحف الشريف لتحطيم المناعة النفسية لدى الأسرى في كوبا والتي أثارت سخط العالم الإٍسلامي، من أقصاه إلى أقصاه.
إن هذا العمل الدنيء لهو دليل إضافي جديد على الاستخفاف بمليار إنسان يدينون بهذا القرآن ويؤمنون بأنه كلام الله أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمام المرسلين، كما يؤمنون بالكلمات التي أنزلها الله على موسى، والتي أنزلها على عيسى وعلى غيرهم من النبيين، ولا يفرقون بين أحد منهم { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [البقرة:285].
وهذا امتداد للإساءة لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، من شخصيات ذاتِ علاقة بالإدارة الأمريكية في مراتٍ عديدة.
والمسلمون يحترمون الأنبياءَ جميعاً ولا يسمحون بالمساس بأحد منهم. وبالطريقة نفسها يمقت المسلمون جميعاً، أولئك الذين يعرضون مقدسات الإسلام للامتهان والازدراء.. فالذين يدنسون المصحف فجرةٌ غادرون بعيدون عن قيم الحضارة والأخلاق، ومجرمون يتديَّن المسلم ببغضهم وكراهيتهم شاء من شاء وأبى من أبى.
والذين ينالون من النبي حقيرون لا يعرفون معنى الموضوعية والعلم والأخلاق، والذين ينتهكون حرمة المساجد ويلوثونها وإن كانوا في هيئة البشر إلا أنه ليس لهم منها إلا مظهر الصورة، أما الإنسانية فهي منهم براء. والذين ينتهكون حرمة الإنسان الذي كرّمه الله واختاره وميزه، فيقتلونه بغير حق، أو يعرضونه للتعذيب، أو يسلطون عليه كلابهم ويتحدون عقيدته وإيمانه، هم أشرار أشرار أشرار، وإن تبجحوا بكلمات منمّقة تتحدث عن (الحرية) أو تعد بـ(الديمقراطية) أو تخدّر بـ(المساواة).
فهذه الكلمات هي ورقة التوت التي لا تستر جرائمهم .
وإذا كانت العدالة الأمريكية صادقة مع نفسها فلتحاكم مجرميها الذين ارتكبوا مآثمهم وهم يقاتلون في حملتها المزعومة للحرب على الإرهاب، كما تحاكم أولئك الذين قضى الله وقدر أن يقعوا في مخالبها وأن توجه إليهم التهم بأنهم إرهابيون، وكل جريمتهم أنهم شاركوا في أعمال خيرية، أو دافعوا عن أرضهم، أو عاشوا لبعض الوقت في أرض الولايات المتحدة الأمريكية..
وعبثاً تذهب جهود المحامين أدراج الرياح لأن الجو مشبع بتفاعلات الحملة على الإرهاب من المواطن إلى القاضي إلى السياسي.
قد لا يفعل المسلمون الكثير اليوم، مهما حاولوا، ولكن من حقهم أن يحتفظوا بالكراهية والسخط لكل هؤلاء الذين يسيئون إلى دينهم، ومن حقهم أن يعبروا عن رفضهم لهذه الممارسة بكل وسيلة يسمح بها نظام وأن يوصلوا صوتهم لكل أذن تسمع.
وأؤكد أن المسلمين ليسوا بحاجة إلى من يستثير كراهيتهم ويحرضهم، لأن هذه الجرائم التي تم التعامل معها ببلاهة أو بلا مبالاة هي المحرض الحقيقي.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.